اغتيال افتهان المشهري: جريمة فساد تتجاوز حدود الفرد إلى بنية الدولة

اياد اسماعيل عبدالله الحمادي:

لم يكن اغتيال الأستاذة افتهان المشهري، مديرة مكتب النظافة في تعز، حادثاً عابراً يمكن اختزاله في صورة قاتل مأجور أو جريمة جنائية معزولة. بل هو انعكاس صارخ لبنية الفساد العميقة التي تآكلت في جسد الدولة اليمنية، وامتدت لتتحكم في مواردها، وتحدد مصائر شرفائها.

قبل أن تتولى المشهري إدارة المكتب، كان الفساد ينخر مؤسسات المحافظة، حيث اعتاد نافذون اقتسام الإيرادات المخصصة للنظافة، بينما غرقت شوارع تعز في القمامة، وامتلأت الأحياء بروائح الإهمال. لم تكن الأولوية حينها لصحة المواطنين أو لصورة المدينة، بل لجيوب المتنفذين الذين صنعوا من المال العام غنيمة شخصية.

مقالات ذات صلة

لكن المشهري قررت أن تكسر هذه المعادلة. أغلقت منافذ الفساد، ووجهت الإيرادات إلى ما خُصصت له: خدمة الناس. استجلبت المعدات الثقيلة، حسّنت واقع النظافة، غرست الأشجار في الشوارع، وكرّمت العمال الذين طالهم التهميش لسنوات. بكلمة واحدة: أعادت الثقة بين المواطن والدولة من خلال مؤسسة صغيرة، لكن نموذجية في إدارتها.

هذا التحدي لم يكن ليستمر طويلاً. فشبكات الفساد لم تحتمل نموذجاً يهدد مصالحها. بدأت المضايقات، ثم التهديدات، وصولاً إلى اقتحام مكتبها وطرد الموظفين أمام مرأى ومسمع سلطات صامتة. ولم يكن الصمت مجرد عجز، بل كان تواطؤاً مكشوفاً من مسؤولين يرون في الإصلاح خطراً على امتيازاتهم.

المشهري راهنت على أن دولة ما زالت قائمة ستحميها. لكنها اصطدمت بحقيقة مُرة: الدولة التي يُفترض أن تحمي المصلحين، باتت جزءاً من العصابة. فكان أن دفعت حياتها ثمناً لموقفها.

اليوم يحاول البعض اختزال القضية في صورة القاتل المباشر، وكأن القبض على هذا الشخص سيُنهي المأساة. لكن الحقيقة أبعد وأعمق: القاتل مجرد أداة، والفاعل الحقيقي هو شبكة الفساد الممتدة من صغار المتنفذين حتى كبار المسؤولين.

إن لم يُفتح تحقيق جاد يطال جميع المتورطين، وإن لم تتحول دماء المشهري إلى قضية رأي عام تتجاوز حدود تعز إلى كل اليمن، فإن ما جرى ليس سوى فصل من مسرحية اعتادت العصابات أن تكتبها، حيث يُقتل الشرفاء ويُكافأ الفاسدون.

اغتيال افتهان ليس جريمة شخصية، بل هو محاولة اغتيال لفكرة الدولة نفسها. فإذا مرت هذه الحادثة دون محاسبة، فإن الرسالة واضحة: لا مكان للشرفاء في إدارة الشأن العام، ومن يجرؤ على مقاومة الفساد فمصيره القبر.

هنا يكمن التحدي: هل سيتحول دم المشهري إلى بداية لاستعادة الدولة من أيدي الفاسدين؟ أم سيكون مجرد رقم جديد في سجل طويل من الجرائم السياسية التي ظلت بلا عقاب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى